تُعد زراعة النخيل من أقدم وأهم الممارسات الزراعية في العديد من المناطق حول العالم، خصوصًا في البيئات الجافة وشبه الجافة، حيث تُشكل التمور مصدرًا غذائيًا رئيسيًا وعنصرًا اقتصاديًا حيويًا. ومع ذلك، تواجه هذه الزراعة تحديات متعددة، أبرزها الآفات التي تهاجم أشجار النخيل وتؤثر على إنتاجها وجودة ثمارها. إن الإدارة الفعالة لهذه الآفات لا تقتصر فقط على مكافحة الحشرات والأمراض، بل تمتد لتشمل استراتيجيات متكاملة ومستدامة تحافظ على التوازن البيئي وتقلل من الاعتماد على المبيدات الكيميائية الضارة.
يعتبر نخيل التمر واحداً من المحاصيل الاستراتيجية المهمة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا حيث تجاوز عدده 200 مليون نخلة عالميا ًوالذي يزرع على مساحة 1.35 مليون هكتار وتبلغ كمية الإنتاج منه 9.5 مليون طن سنويا،حصة المنطقة العربية من المساحة المزروعة تصل الى 75 بالمائة وحصتها من الإنتاج 77 بالمائة وتزداد المساحة وعدد النخيل باستمرار لزيادة الطلب عليه ودخول مخلفاته ومنتجاته الثانوية في الصناعة بشكل كبير. لا زالت آفات النخيل تشكل تحدياً كبيراً له حيث تصرف الحكومات مبالغ كبيرة لمكافحتها وتعمل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من خلال مشاريع وبرامج مشتركه مع الدول لوضع معالجات تقنية متطورة لحل هذه الآفات وخاصة سوسة النخيل الحمراء المنتشرة في أغلب مناطق زراعة النخيل ومرض البيوض الذي قضى على اكثر من 10 ملايين نخلة بالمغرب وثلاثة ملايين في الجزائر.
من خلال البرنامج الإقليمي لإدارة سوسة النخيل الحمراء الذي نفذته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا واجهتنا تساؤلات واستفسارات عديدة عن آفات أخرى مهمة تفتك بالنخيل ويصعب معالجتها مثل حشرة دوباس النخيل والحشرات القشرية وعنكبوت الغبار (بوفروه) والحفارات بأنواعها إضافة الى الحشرات المخزونة وطرق السيطرة عليها ، وفي حينه كنا نعطي المعلومات العامة التي نملكها لكونها خارج البرنامج الذي تعمل عليه المنظمة. ولغرض الإجابة عن جميع التساؤلات الواردة من الدول اقترحنا ان نؤلف ونعد كتاب اقترحنا لتسميته الإدارة المستدامة لآفات النخيل والتمور: المفاهيم والتقنيات وأن يكون كتاباً تطبيقياً نجمع به ما انجز ونضع إمكاناتنا العلمية والعملية التي استوحيناها من علاقتنا بالدول المنتجة للنخيل والمناقشات التي دارت في المدارس الحقلية التي تشترط أن يكون أحد فقراتها دعوة خبير له دراية كافية بالآفات عدا السوسة عند الحاجة له.
وهنا أتى تكليفنا للخبير واستشاري مشروع سوسة النخيل الحمراء في المنظمة الدكتور إبراهيم الجبوري ان يقوم بهذا العمل لما يملكه من خبرة واسعة وعميقة ودراية بالآفات ومشاكلها وإدارتها وان يكتب كتاباً يجمع به المعلومات المهمة والتطبيقية متجاوزاً السرد غير المفيد للقارئ ولوضع برامج مكافحة متكاملة للافات بضوء ما أثير في نقاشات المدارس الحقلية والزيارات الميدانية التي حضرها بصحبة المنظمة وكوادرها.
نأمل أن يكون هذا الكتاب جزء مهم من وثائق مشروع إدارة سوسة النخيل الحمراء وإضافة قيمة للمكتبة الزراعية، وأن يسهم في نشر المعرفة وتعزيز الجهود المبذولة لحماية زراعة النخيل وتحسين مردودها بطرق مسؤولة ومستدامة.
الإدارة المستدامة لآفات النخيل والتمور- المفاهيم والتقنيات
