عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى «وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» ﴿النحل 68﴾ الوحي كما قال الراغب الإشارة السريعة وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أو بصوت مجرد عن التركيب أو بإشارة ونحوها، والمحصل من موارد استعماله أنه إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قصد إفهامه فالإلهام بإلقاء المعنى في فهم الحيوان من طريق الغريزة من الوحي وكذا ورود المعنى في النفس من طريق الرؤيا أومن طريق الوسوسة أو بالإشارة كل ذلك من الوحي، وقد استعمل في كلامه تعالى في كل من هذه المعاني كقوله:» وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ» الآية، وقوله:» وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى» (القصص 7)، وقوله:» وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ» (الأنعام 121)، وقوله:» فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» (مريم 11)، ومن الوحي التكليم الإلهي لأنبيائه ورسله، قال تعالى:» وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا» (الشورى 51)، وقد قرر الأدب الديني في الإسلام أن لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل من التكليم الإلهي. قال في المجمع: والذلل جمع الذلول، يقال: دابة ذلول بين الذل ورجل ذلول بين الذل والذلة. انتهى. وقوله:» وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ « أي ألهمه من طريق غريزته التي أودعها في بنيته، وأمر النحل وهو زنبور العسل في حياته الاجتماعية وسيرته وصنعته لعجيب، ولعل بداعة أمره هو الموجب لصرف الخطاب عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: «وأوحى ربك». وقوله: «أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» (النحل 68) هذا من مضمون الوحي الذي أوحي إليه، والظاهر أن المراد بما يعرشون هو ما يبنون لبيوت العسل. قوله تعالى «فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً» (النحل 69) تفريعه على الأمر بالأكل يؤيد أن المراد به رجوعها إلى بيوتها لتودع فيها ما هيأته من العسل المأخوذ من الثمرات وإضافة السبل إلى الرب للدلالة على أن الجميع بإلهام إلهي. وقوله «يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ» (النحل 69) إلخ، استئناف بعد ذكر جملة ما أمرت به يبين فيه ما يترتب على مجاهدتها في امتثال أمر الله سبحانه ذللا وهو أنه يخرج من بطونها أي بطون النحل «شَرابٌ» وهو العسل «مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ» بالبياض والصفرة والحمرة الناصعة وما يميل إلى السواد «فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ» (النحل 69) من غالب الأمراض.
198.67 كيلوبايت