
في الريف البعيد، حيث تنبض الحياة بإيقاع الأرض، وتُقاس المواسم برائحة التربة ونضج الثمار، يواجه الفلاح الصغير جفافًا لم يألفه، ويخسر محصوله أمام عاصفة لم يحذّر منها أحد. ليس تغيّر المناخ مجرد مصطلح في تقارير دولية، بل واقع يعيشه من زرع وسقى وانتظر، فإذا بالمناخ يتقلب، وإذا بالمائدة تقلّ، وإذا بعدالة الأرض تختل.
إن الزراعة كما عرفها الأوائل كانت فنًّا في الإصغاء للطبيعة، وميزانًا دقيقًا بين العطاء والأخذ. أما اليوم، فقد دفعتها الأسواق الحديثة إلى دروب لا تراعي دورة الحياة، ولا تستأذن من الأرض. الأسمدة تغمر التربة، والمبيدات تخنق الحشرات النافعة، والحقول تُستنزف موسمًا بعد آخر، حتى صارت الزراعة عبئًا على الأرض بدل أن تكون امتدادًا لها.
في هذا السياق، تبرز الزراعة الحيوية لا كترف بيئي ولا موضة نُخبوية، بل كعودة حذِرة إلى جوهر العلاقة بين الإنسان والطبيعة. هي ليست مجرد الامتناع عن الكيماويات، بل فلسفة زراعية متكاملة، تنظر إلى التربة ككائن حي، وتُعامل النبتة كما يُعامل الكائن الذي يُرجى له البقاء، وتعيد للمزارع شيئًا من الكرامة التي انتُزعت منه باسم الإنتاجية.
ومن هنا تلتقي الزراعة الحيوية بمفهوم العدالة المناخية. لأن من يدفع ثمن الاحتباس الحراري ليس من تسبب فيه، بل من لا يملك أن يحتمي منه. المزارع الصغير في الجنوب العالمي، المرأة الريفية، المجتمعات التي تعيش على الهامش… هؤلاء جميعًا يعانون من تغير المناخ دون أن يكون لهم يد في صناعته.
اترك تعليقاً